Saturday, April 3, 2010

OmAn

عُمان!

وأخيراً أنا هنا .. مر 13 يوماً ولا زلت أشعر بأنني في حلم ، لا أتمنى الاستيقاظ منه

في ساعات كثيرة ، تهمس لي نفسي فجأة: أنتِ هنا! ، فأنظر حولي وتسري بقلبي قشعريرة باردة صغيرة

كالأحلام التي كانت تراودني في تلك المدينة البعيدة ، أستيقظ منها على جدران غرفتي الباردة

ولكنني هنا الآن .. أراهم حولي ولا أصدق أنهم ليسوا أطيافاً .. الرائحة حولي رائعة ، ورغم حرارة الجو الشديدة أحياناً إلا أنني أحب الشمس وأحب الهواء الساخن وأحب ملاحقة الظلال وأعشق الياسمين!

عندما وصلت ، استقبلتني أمي واحتضنتني ، دخلنا معاً فعانقتني رائحة البخور ، قالت أمي أنها بخرت المجلس خصيصاً من أجلي ، إذ لابد اشتقت لروائح بيتنا المميزة!

لا شيء يثير بي إحساس وجودي هنا كما تفعل الروائح .. أبداً

بعد ظهر الأربعاء ، توجهنا إلى القرية .. كان الجو معتدلاً جميلا ،

محطتنا الأولى كانت المزرعة وهناك قطف لي والدي ثمار المانجو الخضراء الحامضة وبعض ثمار الفرصاد ، ثم زرنا جدي وجدتي .. كانت جدتي تجلس شرق منزلها مقابل الشاطئ ، يخفق قلبي كثيراً لدى رؤيته – أي البحر! .. بقينا معها وتوافد علينا بعض الأقارب .. كانت عيوني معلقة عليه وعنده وبقربه لا تفارقه ..

أتنفس نسيمه بقوة فتنتفض روحي وتبكي! اشتاقت إليه أكثر مما يجب!

في المساء اجتمعوا كلهم لتناول العشاء معاً ، لكنني بقيت في المنزل حيث تنام أختي الصغيرة ومعي ابنة عمي نتبادل أخبار العالم من حولنا ، مدهش كيف يمكن لكل تلك الأخبار والقصص أن تجد طريقها إليك في ذلك الوقت القصير!

انتهى عشائهم قبل منتصف الليل بساعة تقريباً ، وتسللنا ساعتها لنخرج مع عمي ، نبحث عن مطعم مفتوح ، وجدنا مطعماً أخيراً ، لم أره من قبل ، وجباته لذيذة .. أخذنا الطعام وبحثنا عن مكان نتناوله فيه ، فالمطعم كان يوشك على الاغلاق ، وقررنا أخيراً أن نتناول طعامنا على الشاطئ خلف المنزل ، حيث يستريح قارب عمي الآخر!

بدر تلك الليلة كان يحرسنا .. وتحته يرقص البحر ويغني الرمل وأحلم!

كنت معهم ولم أكن .. أنهيت عشائي وتمددت على الرمل أتنفس مغمضة العينين لأفتحهما على السماء

ونجومي الحبيبة!

تذكرنا كيف كانت سماء قريتي مجلساً كبيراً جداً تجتمع فيها أهم نجمات السماء كل ليلة للتشاور في أهم حكايا الأرض ، وكيف كنت أقضي الساعات في المشي على الشاطئ ليلاً واستراق السمع والنظر إليها !

لكنهم يسلبوننا شاطئنا وسمائنا .. والأمان الذي كنا نظنه!

عدنا متأخرين ليلتها .. وسهرت أتحدث مع ابنة عمي التي بقت ليلتها في منزلنا ، نمنا فجراً ..

وعدنا في موعد الغداء إلى مسقط!

يومها أعد إخوتي حفلاً كبيراً في المنزل مع كثير من الأصناف والمشاوي .. والكعك أيضاً

وأعددت صحن كنافة .. رغم أنني لا أهوى الطبخ حقاً ولا أجيده ، لكن ليس من الصعب تتبع الكتب!

قبل أسبوع من الآن ، أصبح لي ابن أخٍ جديد .. سموه "يزيد"

جميلٌ جداً .. يأسر قلبي كلما رأيته .. أحببته كثيراً!

وفي يوم ولادته ، سألتني ابنة اختي وعمرها 7 سنوات – كانت تمثل دور المعلمة وأمثل لها دور التلميذة- عن شيء موجود تحت الأرض!

أجبتها بكل مكونات الكوكب لكن كل اجاباتي كانت خاطئة ..

قالت لي : ألا تعرفين أن تحت الأرض يوجد مغناطيس كبير جدا ؟ وهو يجعلنا نلتصق بالأرض ولا نطير؟

قلت لها : تقصدين الجاذبية؟

قالت لا! اسمه مغناطيس ، لماذا لا تدرسين جيداً!؟

تأملت منزلي ساعتها ونحن نلعب خارجه .. فشعرت أنه المغناطيس الكبير هذا وأنني مشدودة إليه جداً ..

يجذبني من شراييني ودمي .. ويجعل ابتعادي عنه مؤلماً!

كلما فكرت بأمر العودة ، شعرت بمغصٍ في معدتي ، يشبه المغص الذي يشعر به طالب يُجبر على دخول قاعة اختبار لم يعد له!

لذلك فضلت أن لا أفكر . . وأن أملأ كل ما يمكنني مني بكل ما هو هنا! حد التخمة ، ولا أبالي إن وصلت لحد الموت أيضاً!

أما اليوم .. فقد كان طويلاً ..

صحوت مبكرة ، وذهبت للمطار حيث أنتظر وصول صديقتي .. لكنني لم أرها .. ولم ألمح والدتها ..

ولما طال بي الوقوف وطاردتني العيون الفضولية ، ترددت ثم عدت أدراجي أخيراً .. ورغم أن روحي لامتني كثيراً بعدها إلا أن الوقت كان قد تأخر ولم يكن بإمكاني العودة !

ثم مررت على العيادة والمركز الصحي أستجديهم فحص دمي ، فأطرافي بدأت تخونني وتلعب نط الحبل بعروقي .. لربما كان وسواساً فقط ، ولكنه مؤلم!

بعدها قررنا الذهاب لمركز المدينة "السيتي سنتر" لتناول الغداء حيث يمكن لأختي الصغيرة أن تلعب ، كنت قد وعدت ابن اختي (4 سنوات) بأنني سآخذه معنا ولكن كان قرارنا اليوم متأخراً فأرسلت لأمه أن ليس لدينا ما يكفي من الوقت للمرور لأخذه وأنني سآخذه في وقت لاحق .. بعدها بدقائق فقط وصلني اتصال من رقمها ، كان هو ، مودي – كما نسميه- وفي صوته بقايا بكاء وغضب!

قال لي بأنه مستعد وقد ارتدى ملابس جميلة ويريد الذهاب معنا!

ولما لم أكن أحتمل أن أخذله طلبت من السائق أن يحضره لنأخذه ..

لعب الصغار وتناولنا الغداء وعدنا .. وبقي مودي معي!

لم يرضَ أن يأكل رغم جريي خلفه ولعبي والقصص التي حكينا وغيرها .. فأخذته لينام

واستمرت محاولاتي ساعة ونصف ..

فهو لن ينام قبل سماع قصة ، ولما كنت أمتلك قصص أطفال حكيت إحداها له ، ثم طلب أن أقرأ له من فمي! يقصد بدون كتاب ، قصة من الذاكرة! فحكينا

ثم قال بأنه يريد مزرعةً في الجنة! وأخذ يردد "سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم" حتى اطمأن أنه غرس أشجاراً كثيرة في الجنة يمكن أن تكون مزرعة

بعدها قال بأن أمه تقرأ له المعوذات قبل النوم وأنه لن ينام لأنني لا أحفظها فقرأتها له ..

لكنه بقي يتملص مني حتى احطته بذراعيّ كالحزام وشددته لي رغم كل محاولاته للهرب حتى نام!

قال لي اليوم بأنه يحبني بكثرة السيارات في العالم! وقال بأنه لا يريد مني أن أسافر من جديد

سألته : تسافر معي؟ ، فقال بلهجة عجوز يائس: أتمنى والله ، أتمنى!

تضحكني أفكار هذا الطفل .. أرانا اليوم رجله .. وقد رسم عليها خطاً طويلاً من أصابع قدمه لينتهي بخطين افقيين عند الركبة ودائرتين صغيرتين ، قال بأنه "ليت شارع" وأنه يرسم كل يوم مصباح شارعٍ مختلف!

خياله خصب ، وشقاوته جميلة .. وأنا ، أحبه كثيراً!

جئت أصلاً للكتابة عنه .. أما ما أشعر به هنا .. فلا أدري ..

هو عصيٌ جدًا على التعبير .. وعلى البوح

23:13

مسقط



No comments: