Saturday, March 6, 2010

14


عودة قصيرة ..

قررت اليوم أن أكتب ، أي شيء

ألتهي بالحرف عن الحمى التي تعبث بدمي ، وأتذكر رسالة والدي الأخيرة وهو يقول : لابد سنشتاق لهذه الحياة التي نتذمر منها الآن!

لربما تستحق هذه الحياة يا أبي بعض التوثيق

رغم أن أيامها تذهب تماماً كما تأتي ، ولعلها لا تأتي أصلا

صحوت اليوم باكراً ، كنت قد نسيت أن علي قراءة دراسة صغيرة قبل محاضرة اليوم!

صحوت ففاجئني جسدي الساخن على غير العادة ، وأنفاسي تستحيل جمراً يلتهب في حلقي!

حاولت أن أتحرك في فراشي فثبتني ألم ظهري في مكاني ، وبطني أيضاً!

نظرت لدميتي النائمة بسلام بين ذراعيّ ، أسأل عيونها المفتوحة أبداً عن وحوش الظلام التي تعاركت على ساحاتي ، وانسحبت دون أن تنظر للوراء!

تشاورت كثيراً ، هل أدوس على أعصابي الثائرة جميعاً وأمضي للجامعة؟ أم أمنح جسدي المنهك شيئاً من راحة!

لمحت الأوراق على الطاولة ونهضت .. كانت شيئاً طويلاً عن تأثير تناول الثمار المعدلة جينياً على جسد الانسان

وهل تنتقل الصفات الجديدة للكائنات الدقيقة في أجسادنا!

ولكن اتضح أخيراً أن هذه الجينات الجديدة قد لا تكون خارقة جداً وساحرة كما يظن البعض ..

وكما يظنون عن هذه البلاد الزائفة!

ولكنها كغيرها .. وتأثيرها بحسب تقبل أجسادنا لها ..

وجسدي يا أبي ، يلفظ هذه الأرض العنيدة ويثور عليها ..

ولكنك ترجوني الصبر وتعزيني بسعادتك وفخرك بي .. وهذا يعزيني ، جداً!

كان الطريق بارداً .. بعض الحشائش يفرق قبائلها الجليد

خطواتهم سريعة ، وخطواتي تحاول أن تتوازن ، لكنني لا أتمكن السيطرة على قدمي ، فإذا رفعتها لا أدري أين تنتهي! وكيف يكون رسم خطوتها على الرصيف

لم يكن في القاعة سوى بعض الطلاب وزميلتي ، تبدو على وجهها ملامح لا يرسمها إلا غربة سعيدة بألوانها الباردة!

دخلت المُحاضرة ، بحامستها المعتادة .. وبدأت تتحدث وكأنها طفل صغير يحكي لأمه مغامرته الأخيرة!

أخذتني بحديثها عن الأشياء الأخرى .. وعن كل عالم ..

مضت الساعتان لا يقطع قوافل دقائقها سوى جريان ألمي وهطول صداعي بين لحظة وأخرى

نعم ، كان يوماً مؤلماً ..

أما المحاضرة الثانية والأخيرة فقد قارنت فيها المحاضرة الهندية بين العادات الغذائية لبعض الشعوب وحصتهم الأسبوعية من الطعام ونوعية هذه الحصة ..

بعضهم كانوا يبتسمون وعلى طاولاتهم أطنان من الطعام سريع التحضير وبعض السموم

وآخرون يطيرون فرحاً وعلى طرف البساط الذي يفترشونه كيسين من الحبوب لا أكثر!

كنت أفكر في هاتين الصورتين فلم أنتبه لانقضاء الوقت وقدمي تقودني عبر الطريق نفسه

راشد الماجد كان يغني شيئاً ما لكنني لم أكن معه .. كنت أفكر بالمشروع الذي يتوجب علي أن أبحث له عن موضوع!

كنت أفكر بالدكتور الذي سأعمل معه والزمن وما علي تسليمه ، وكميات مهولة من الأشياء

ولكن طائر فكري الصغير قرر فجأة تغيير وجهته لمرسى آخر يكون أكثر دفئاً ولطفاً

فكان أن حط على محط الطائرات في بلدي البعيدة!

ورأيت وجوه أحبتي تعانق سعادتي ، ورأيتني أقبل عيونهم وأتخللهم بروحي

كان الأطفال يقفزون هنا وهناك .. بينما كانت كل الأشياء الأخرى وكل الأطياف ترقص!

لا أدري أي لحنٍ كان ، لكنه كان جميلاً ودافئاً يبعث السكينة كـ صلاة!

أوصلني إلى غرفتي سريعاً .. فاستقبلتني رائحة غريبة! لم أستلطفها أبداً ..

تبعتها فإذا بالحليب قد انكسب في الثلاجة ، يبدو أنني لم أحكم إغلاق الغطاء

تنهدت بغضب! وهل هذا هو وقت الحليب! ألا تكفي كل الأشياء الأخرى!

نظفت الثلاجة وبقية الغرفة وأشرعت النوافذ أستسلم معها للبرد المكشر عن سهامه ليرقص حول النار التي أشعلتها الحمى في ضلوعي

فيغيب تركيزي وسط أهازيجه الغريبة الأطوار والألم المتصاعد مني

أغلقت النافذة سريعاً بعد زوال الرائحة ، ارتديت طبقات جديدة من الملابس وأدرت المدفأة

تناولت وجبتي الأولى من الحبوب بالحليب ، موزة وكوب عصير ..

حاولت البقاء على الشبكة لكن لم تكن عيوني هنا .. وكانت جينات الآنسة كارولين تغني حولي!

أما أطعمة سانتوش فقط اصطفت عمودياً على رأسي ، هربت لسريري ونمت

ساعات طويلة!

أفقت على صوت المنبه .. كنت أشعر بالبرد ، رغم المدفئة ورغم أكوام الملابس والجوارب والأغطية!

إذن ، فأنا مريضة حقاً!

شاهدت المسلسل .. حيث يموت كل الأبطال في النهاية ولا يمكن للخير أن يكون أفضل من الشر فلا يشفق ولا يرأف! بل يصر على الانتقام

بقيت على الكرسي .. رأسي لا يسفعني لمشاهدة شيء ولا حتى لأفكر ..

نظرت حولي في سأم .. لعلبة الدواء التي سأشرب منها الليلة ولطاولة المطبخ تذكرني بحق معدتي علي!

وأحسست لوهلة ، أنني أعيش في فراغ .. وأنني لم أعد أعرف شيئاً

وأن هذه الحياة أضحت غريبة ، فكل ما عرفته عنها لم أعد أعرفه ولم يعد بمقاسها ..

وأن شيئاً ما قد قذفني في هذا الفضاء الجديد حيث تنعدم الجاذبية وتذوي الوجوه وتستيقظ الروح الخامدة

جاهلةً تماماً وبدون أي ذاكرة

يصعب عليها أن تفتح عينيها في البداية - التي يمكن أن تطول .. وتتخبط ، تتلمس الطريق وتتعثر ..

لكن لا أدري إن كانت ستصل لشيء .. هل تاهت في الفضاء لتستدل لطريق جديد

أم أنها ماتت فقط واستيقظت في اللاشيء! لتبقى هكذا حتى يصم النداء أجرام ما حولها !

لا أدري .. كنت بحاجة لأي شيء مهما كان أعود به لوعيٍ من اي نوع .. ولأرض تمسكها جاذبية وتمسكني بها

لجأت لسريري وقرأت عن العصفور القادم من الشرق .. لقد هبط الليلة من الجنة

هبط لفضاء جديد كما فعلت ..

وضعته وتناولت شيئاً من البيض المسلوق والبطاطا وحدثتهم هناك ..

ربما لم يكن يوماً جيداً لأكتب عنه يا والدي ..

ولكن الحمى ستزول غداً ، ولابد لقدمي ان تتعرف على الطريق :)

23:00


No comments: