Thursday, July 16, 2015

خيط



قالت لي صديقتي بالأمس أننا: نزداد وعيًا، ولذلك يصبح وقع الأشياء علينا أكبر، الحسن منها والسيء، يسقط فينا أعمق
وظننتُ من قبل أننا إذا صرنا أوعى، لا تعود الأشياء تنالُ منا – يا صديقتي- كما كانت!

..

لا أدري ..
هكذا تبدأ الكثير من القصص في داخلي، والكثير من الأفكار، المعلقة على حبل طويل من المشاعر المختلفة .. تبدأ بـ "لا أدري" كبيرة، وتنتهي بها أيضًا، كغلاف كتاب لا يوجد غيره في مكتبة دماغي القديم

..

كل شخص يمر في حياتي، يربطني به خيطُ صوفٍ طويل .. بعضهم أتشابك معهم بكومة خيوط كثيفة، والبعض يكفيه خيط قطن رفيع، مع الوقت، صارت الخيوط قيدًا ، وصارت حركتي ثقيلة، مرت علي أيام نسيتُ فيها أن بإمكاني أن أتحرك أصلًا، فكل الخيوط تشدني من جميع الاتجاهات بالشكل الذي يجعلني أثبت في مكاني ولا أميل إلا إلى حيث يميلون
ربما رأيت ليلتها أنني أطير، لا أدري، لكنني صرت أصحو بعدها في كل نهار وأقطع كل خيطٍ مربوطٍ إلي دون أن أتوقف للحظة وأسأل عن صاحبه على الطرف الآخر، واليوم، لم تعد هناك خيوط صوف تجعلني أعطس! ولم أعد مضطرة للثبات المتعب،
الذي لم أعرفه، أن كل خيط يُقطع، يُطفئ الضوء المسلط على صاحبه، فلا أعود أراه، وأنني مع الخيط، أقطع جزءًا من ذاكرتي أيضًا، أو أرسله للبعيد، ولأنهم صاروا في منطقة معتمة بعد قطع الخيوط، ولأنهم أيضًا في مكانهم لا يتحركون، مقيدين بخيوطهم الخاصة هم أيضًا، ولأنني صرت أتحرك وأبتعد
لم أعد أراهم، لم يعد هناك ما يشدني إليهم فأميزهم، ولأن ذاكرتي كانت تذوي معهم؛ لم يعودوا شيئًا في عالمي الذي أتحرك خلاله
كلما ذُكروا الآن أمامي، أحتاج لبذل جهدٍ ما لأتذكر، لأجد رابطًا ما هنا أو هناك
عندما أصادف شيئًا من هذا العالم القديم، أقف، أندهش في أحيان كثيرة، أسأل نفسي: ماذا تراني فعلت!؟
كيف صرت هكذا وصاروا!
ما الذي فعلته؟
هل يمكن أنني في يومٍ ما سأضطر للعودة إلى حيث لم أحتفظ لي ولو بخيطٍ واحد؟
كيف تركتُ نفسي لكل هذا؟
ماذا لو وماذا لو وماذا لو .. !
لكن تيارًا باردًا منعشًا يعيدني للحركة، للطيران أحيانًا، يقطع خيطي الجديد مع الفكرة تلك والوسواس هذا
فأنفصل .. وأمضي .. وأعلم أنني لا أجيد العودة أبدًا
22:55
يورك