أديت اليوم رابع اختبارات هذا الفصل وهو الاختبار قبل الأخير
أشعر بكثير من الانهاك .. لم أنم أكثر من ثلاث ساعات تقريبا نوماً قلقاً مغلفاً بكلمات كثيرة تغلف أحلامي
كنت أرى مسقط بشوارعها ومواقعها التي أحب تغلفها سماء من كلمات عن أكسدة الدهون ومضادات الأكسدة والتي واظبت على إيقاظي كل نصف ساعة للتحقق من الساعة .. كنت قد قررت النوم ثلاث ساعات ونمت ساعة ونصف منها فقط!
رأيت منزلاً طائراً في السماء .. كما كان أخي يقود بسرعة سيارةً ربحت مثلها لا أدري كيف!
استيقظت بكثير من الوهن، لم يفلح الماء المنسكب بقوة على رأسي ولا فطوري ولا حتى فنجان القهوة التي لا أحب في تسريب بعض النور لأزقتي الغارقة في النعاس
قرأت الفصول التي تمنيت لو أصادفها في ورقة الاختبار اليوم وارتميت على السرير أستجدي ساعة أخرى!
تقلبت نصف ساعة وسط قلق يدير كهرباءه المزعجة من معدتي ثم نمت! وبعد ساعة صحوت كمن أزهقت روحه إلا ما علق بين زوايا بعيدة من رأسه يحاول بها تلمس الاشكال والاشياء!
عدت للقراءة وأنا أرى الورق يتنفس أمامي والكلمات تكبر وتصغر وترقص!
لم يكن وقتا مناسبا للعبك أيها الورق! تجاهلتك وقرأت .. طويلا .. وأنا على يقين أنني قد لا أذكر ثلاثة أرباع المكتوب ساعة الاختبار
كنت قلقة من أن تنهار قوتي تماماً حتى وقت الآداء .. ارتديت ملابسي قبل ساعة ونصف من موعده وخرجت
الشمس في السماء تأكل حبات الفوشار الضخمة بعشوائية وتبعثرها في كل مكان .. حتى انها نسيت أن تسدل دفئها ليطول شيئا من أنفاسنا المرتجفة
الطريق طويلة .. أمسك بأوراقي ولا أقوى على قرائتها .. شعرت بالعطش .. ترددت ثم عطفت على البقالة وابتعت الماء.. كان بارداً أيضا فوضعته في الحقيبة ومشيت
اجتزت اشارات المرور وأكملت طريقي .. كان الطلبة يتحدثون عن نهاية الفصل وسفرهم الطويل البعيد حتى العام القادم ! فرحين بالصيف سمعتهم ورأيتهم .. ولم أستطع أن أجاري شعورهم ذاك
كان اختباري ينتظرني .. وبعده سلسلة من الأعمال تقيدني بعيداً عن العطلة الصيفية ككل عام من سنواتي الدراسية منذ الأزل
هذا هو صيفي الاول في حياتي أرتبط فيه بالدراسة .. وأقضيه ككل الأشهر الماضية بعيداً عن حرارة صيفي ورائحته
لكنني راضية .. لست سعيدة به لكن لا أتذمر .. فلابد ستسوق الأيام القادمة مغامرات جديدة ، قد لا تكرر!
..
على أساس الخريطة التي رأيتها البارحة ، مشيت ، ووجدت المبنى أخيرا .. من فوائد اختبارات نهاية الفصل تعريفنا على أماكن جديدة في الجامعة التي لا أشعر بالانتماء إليها حتى الآن وانا في نهاية العام!
بحثت عن كرسي قريب وجلست .. الريح تعصف حبالاً من البرد تلتف حول عنقي ومتنفسي وأصابعي التي تخدرت
ذكرني الطقس بالجبل الأخضر في الشتاء!
فككت أوراقي وراجعتها .. كنت قد وضعت في ذهني سؤالين أريدهما أن يكونا أول ما تصادف عيني في ورقة الاختبار .. وأعلم أنه تصرف أحمق .. وأعلم أيضاً أنني دائماً سأواجه الأسئلة التي أحضر لها أقل التحضير !!
ومع هذا تجاهلت رسائل التحذير المتلاحقة من ضميري .. كنت متعبة ولم أرد مراجعة شيء يكلف دماغي جهداً إضافيا .. وبعد ساعة تقريبا دخلت القاعة
رميت بحقيبتي ومعطفي في أحد أركانها وتوجهت للكرسي .. رأيت زميلتي العمانية .. بدت قلقة وشاحبة .. قالت بأنها متعبة بعض الشيء ..
هذه الأوراق الصغيرة المقلوبة على الطاولات أمامنا تحيل نهايات الفصول إلى حجيم أصفر يطفح من وجوهنا!
جلست ولم أتذكر حتى أن أذكر اسم ربي او أدعو باي شي .. انشغلت بتعبئة بياناتي ثم حان الوقت لأقلبها!
ولسروري العظيم ، وجدت السؤالين اللذين أردتهما بين الأسئلة!
واستغرقت الساعة والنصف كلها في الكتابة .. وخرجت كأنني حللت مشاكل الكرة الخضراء ورتقت الأوزون!
أشعر بالسماء ترسل غيومها لتمهد لي الأرض سجاداً أبيضاً وتغني لي تراتيل جميلة تمسح عن قلبي آثار الاختبارات الأولى
وضعت سماعة أذني ليبادر عبدالمجيد بقوله "بريحك مني خلاص وأغيب عن عينك" !
ضحكت ، وكأنه يغنيها على لسان اختباري!
رائحة الجو ذكرتني بالقاهرة .. ولا أدري لماذا تلاحقني المدن التي أحب هنا!
تارة أشعر بطقس المدينة يشدني إلى سهول صلالة وجلساتنا العائلية وتارة إلى القاهرة وأحيانا إلى بيروت
واليوم أحضر لي الجبل الأخضر!
وكما غنى ساعتها مجيد أيضا "اثاري الحب يتعبنا"
لا يمكننا أبداً أن نتخلص من الأوطان التي تنسج أرواحنا بل إنها ستظل تحلق أمامنا دائماً لتحط قبلنا في كل وجهة نتوجهها
كنت أفكر بهذا حين رأيت لافتة المحل العربي فدخلته لأشتري خبزاً عربياً مستديرا وكبيراً!
اشتهيت تناوله مع أطباق كثيرة .. قد لا أعد منها شيئا
ثم عرجت على محل بعده لسحب بعض النقود وشراء الفواكه والبيض والحلويات! يحق لي أن أحتفل بعد كل شيء
الطيور هنا لا تكف عن الغناء .. حتى انها نافستني في ذلك! طوال الليل والنهار ..
رافقتني حتى عودتي .. لكنني لم أتذمر .. لم يكن ظرفاً يسمح إلا بالفرح والاحتفال ..
رأيت أطفالاً أيضاً والكثير من المارة .. بعضهم يلسعه الطقس مثلي فيتدثر منه .. والبعض الأخر يبيح له كل شيء! وأعجب جداً لهذا البعض وكأني بأجسادهم تعمل بطاقة من نوع آخر فترسم عازلاً بينها وبين الصقيع
شددت معطفي علي أكثر ومشيت .. ووصلت أخيرا .. وغرفتي تغرق في أكوام من الورق وزوابع من الكتب
وضعت البيض في الثلاجة .. تناولت تفاحة وحلوى .. وأظنني وطويلاً جداً ..
سأنام !!
16:22
28 مايو 2010