إن شيئاً في رأسي ينفلق
كالصخر بعنف ، يتناثر فتاتاً حاداً يخدشني اذا حركت رأسي ، ويخدشه اذا تنفست واذا
نقلت بصري واذا فكرت !
ان هذا الشيء في رأسي يعصرذاكرتي في علبةٍ صغيرة ويكومها فوق بعضها يرغمها على الانكماش، فيصعب عليها ان
تستجيب!
إن هذا الشيء لا يحمل اسماً، ولكنه يشبه الصداع ، ويكون صداعاً أحياناً وصداعي هذا يحبني كثيراً، فلا يفارقني ! يحمل حنيناً خاصاً لرأسي، ولا يتركه ، يزرع أراضيه ويلقب تربتها ، يحرثها بعنف ، أما الذي يزرع فيها لا أعرف .. أشعر فقط بالجذور تنمو ببطء وتشرب من دماغي ، تشقه قنوات كثيرة ،
اذا ما هبط صداعي لأراضيه التي تعلو رأسي ، ضربها وشطرها نصفين! فإذا ما حركته ارتطم الشطر بعظام جمجمتي ورن
بقوة ، رنيناً حاداً ، أو تحرك مشعلاً النار في أعصابي
إن ألماً كالذي يحب أن يرسمه صداعي لا يطاق البتة ، ولا يُحتمل، ولكنني مجبورة على احتماله، وفي الآونة الأخيرة على تقبله وحبه .. والآن على الكتابة عنه أيضا ..
نعرف بعضنا منذ زمن سحيق ،
خياله واسع ، كما أنه مبدع أيضاً فلا يركن لأسلوب واحد ، جررته معي لأطباء ومعدات وأجهزة قياس وفحص ، لكنه تملص منها جميعاً كقطرة زئبق تهرب بين الأصابع ولم يره أحد، يداهمني في أكثر اللحظات زخماً وأفقرها أيضاً، ولم أعرف يوماً ما الذي يحب أو لا يحب ، هو فقط يعزلني عن هذا العالم!
لا أعرف كيف تبدو عينيه ولا قبضته القوية ، لكنني فقط أتمنى لو أن له لوناً يميزه، فيراه غيري يعصر رأسي كلما
جاء، ولكنه شبحٌ فقط، يشكك الآخرين في إحساسي به، ويسخرون مني بسببه، ويسمونني به، وكأنه كذبة خربشتها بالقلم والخيال على جبيني
لو أنهم رأوه لخافوا، لكنني لم أعد أخاف، أنكمش فقط كبومة لا يبدو منها إلا عينها، وحتى عيني لا تظهر، فهو يكره الضوء ويكره الصوت ، واذا ما شاكسته بهما ، ثار على رأسي ضرباً وركلاً!
فاعتذر له هرباً الى العتمة المحشوة بالسكون وجبة لا تتخمه ولا تتعبه ..
أكتب عنه لأن لا لون له، ولا أثر إلا على رأسي وأفكاري وذاكرتي .. ولأنني لا أعلم ما سيحل به إن مت أنا!
كلما نمت نوماً طويلاً هانئاً، أصحو بأمنية صغيرة، أن ينساني ، أتحاشى أن أفتح عيني ، أتجنب أن أميل برأسي .. أستمتع بلحظات الاستيقاظ الصغيرة بخفة غيابه .. حتى اذا اطمأننت وغرني هذا النعيم والتفت الى يميني لأنهض، قفز علي بصرخةٍ مفاجئة ويضحك! يضحك عالياً .. يضحك بشراسة! واصمت
يأتي كل ساعة ويغيب ، ثم يعود .. يبقى ليومين ويغيب .. يعود لأسبوع ويهاجر .. لا أدري أين يذهب ولا أسأله .. لكن أبقى أؤمن في كل مرة أنه لا يسعد إلا على رأسي .. هذه المرة بقي لأسبوعين ، وها أنا ذا معه ندخل أسبوعنا الثالث معاً .. ولم يفهم بعد أنني بدأت أشعر بالضجر.. والغثيان
وأنني اشتقت كثيراً لصحتي
عندما سئم روتين رأسي لأسبوعين، دعا الزكام والحمى لمنادمته، فإذا ما غادروا استنسخ نفسه نسخاً كثيراً أو غرس قطعاً من الزجاج المكسور في دماغي ونادم انعكاساته ، هل بكيت بسببه يوماً؟
بكيت .. مرة واثنتين وربما أكثر وأكثر .. كان يبكيني الألم حتى أنام وأصحو لأجده كما كان، وكأن دموعي لا تهزه .. ولكن يقتات عليها ليكبر ويكبر ..
أفهم أن تذهب وتعود .. لكن ماذا يعني ان تبقى اكثر من اسبوعين هنا !! أتخيل أن أرى انعكاسي في المرأة فتفاجئني اشجارٌ طويلة تمد أعناقها من سقف رأسي بعد ان اخترقته ، زرعها هو ، وسقاها بدمي وعافيتي لكنني لا أشكوه، فكلما شكوته تلقيت عتاباً طويلاً .. قيل لي بأنه يعود لأنني لا انام .. لا آكل .. دمي فقير ، لأنني أرهق نفسي .. لأنني أفكر !! لأنني أستعمل عقلي!
كرهت كل الأسباب العقيمة التي يعلقونها على كتفي بسببه ، كرهت العتاب الطويل .. جربت علاج أسبابهم ولما لم تفلح عللهم قرروا أنني أدعي ، وأنني أبالغ ، وأنني فقط أحب أن يكون هناك حدث استثنائي قائم على رأسي أعرف أن هذا مضحك، حتى هو استغرق في ضحك طويل عليهم ! وصرنا في مناعة طويلة .. منهم ومن الشكوى ومن العتاب والسخرية .. مناعة قوية كمناعته من جميع أنواع المسكنات!
إنني غاضبة عليه .. كارهة له ، ومعجبة به أيضاً! معجبة بإصراره وتمسكه بي .. وبقوته ومقاومته ! وبالطريقة التي يعود إلي فيها في كل مرة .. حتى لكأنني بدأت أقع في حبه! وحب مزاجه الغريب .. إنه في هذه اللحظة وهو يقرأ ، يضغط على كل شيء بي .. ويجبر عيني على ذرف الدموع وأنفي على السيلان وأذني على الطنين .. يشعر رقبتي بالضعف فلا تقوى على حمله ورأسي .. ويشعرني بالحساسية من كل هذا العالم ..
هل من اختراع ذكي يسقيني مشروباً محملاً بحبيات تشع اذا ما داهمني حضرته! يمكنني تزويد الكثير من المدن بالضوء او الطاقة ، يمكنهم استثمار قوته الجبارة في الخير .. واعطائي سبباً جيداً لاحتماله!
إن هذا الألم هو أكثر من أن أطيق ، أشعر بالبطولة كلما تذكرت أنني أحتملته سنوات طويلة .. لكن كم سأصمد يا ترى
!
وأشعر بالرضا كلما تذكرت أن سطوته لم تُخِف عالمي الصغير الجميل المتفشي بداخلي ، ولا أحلامي ولا سعادتي أيضاً! .. ليعبث برأسي كيفما شاء .. لن يتمكن أبداً من قتلها ، ليس قريبا جدًا على الأقل !
14:16
الثلاثاء 13 ديسمبر 2011
الكلية