Thursday, October 28, 2010

سقوط


بعد أقل من ثلاث ساعات ونصف من النوم ، توقظني مكالمة عمتي تلغي موعدنا معها على الغداء

وما تبقى لي أيضاً من نوم !

أكاد لا أنام هذه الأيام ، سويعات قليلة فقط ونوم قابل للموت في أية لحظة

لم أستطع النوم ، وأفكار حانقة كثيرة تجتاحني .. سيئة تضيق علي ، ابنة عمي تنام بجواري مطمئنة ، ولا أملك حتى أن أغبطها!

بالأمس حضرت اجتماعاً للوزارة المسؤولة عنا أخيراً بعد شهرين من المكوث المجهول المستقبل في المنزل

تحدثوا عن تدريب في قطاع العمل لمدة ستة أشهر ، وآخر للتأهيل مدته أربعة أشهر قبل أن نبدأ فعلياً العام القادم – على أن نبقى تحت الملاحظة والتأهيل لستة أشهر أخرى –

كانوا يتحدثون عن شهور طويلة وفي داخلي يتبادر استفهام عن وعيهم بالزمن! وتتفاقم مضاعفات الثلاثين يوماً!

استفهم من أراد وصمت خجلاً أو قهراً من لم يستطع الكلام ، إحداهن سألت عن المرتب الشهري ، قيل بأنه سيبقى هكذا منخفضاً لحده الأدنى لستة أشهر أخرى

لم يكن هذا يعنيني، كنت أفكر في التدريب الذي سأحصل عليه ، التدريب الذي سيوثق ما تعلمته سنةً كاملة في الخارج ، والذي سيساعدني لأغدو أفضل في عملي ، وأفضل لبلدي

انتهى الاجتماع فتقدمت لمسؤول التدريب الذي بادرني بسؤال عن أقارب اتضح أنهم قريبون له أيضاً

سألته عن التدريب في مجالنا ، عن الصعوبات والحلول الممكنة ، لا يوجد مكان يستوعب الخبرات التي نريد ونظن أنها ستفيد

وعوضاً عن استيعاب شامل – من قبل جميع من قادوا الاجتماع دون استثناء- حملت ردودهم لنا صفعات متتالية

لم يكن أحد منهم يفهم تخصصي أصلا ، ولم يكن أحد منهم يعرف في أي مكان يجدر بي التدريب

بعضهم استنكر تخصصي من الأساس ! وتساءل علناً عن الجدوى من وجودنا ! بينما تندر آخرون ، قدموا اقتراحات لا تمس ما تعلمت .. ثم رضوا بأقل الحلول جدوى!

سيدربونني وزميلتي في مؤسسات مختلفة لفترات قصيرة علنا نستجمع من الخبرة ما يجدي

تركناهم يتحدثون ، نسير تحت الشمس لموقف السيارة البعيد لا ندري ان كان علينا أن نضحك أم أن نبكي

تذكرت أمساً قريباً أهبط فيه سلم الطائرة ، يشتعل في قلبي حماس لا أكاد أحتويه ، فسيح كصحراء بلادي وملتهب كما رملها!

كنت قد عدت بأفكارٍ لا محدودة ، وجدتها رائعة وفاعلة ، تصنع فرقاً كبيراً ، جمعت ملاحظات عديدة عن كل شيء! ورسمت خطوطاً واضحة وكبيرة لما يجب أن يكون

أردت أشياء جيدة ، أردت أن نكبر وأن نتقدم .. أردت أن نختلف تميزاً ، أن نكون رواداً نحن أيضاً

كان حماسي شديداً فلم أتمكن حتى من مغالبة ابتساماته المتكررة على وجهي

بالأمس وفي اجتماعهم المزعوم ، كانوا يرجمون حماسي بقسوة ، وينحرون أحلامي الجميلة ، عندما وجدوا أن ما حصلوا عليه من فسائل لا يتماشى وتربتهم قرروا فقط لو يحرقوها على رؤوسنا

حاولت أن أقاومهم يوماً طويلاً .. لكنني البارحة وقبل أن أنام ، قبرت آخر جندي حماس ربيته بداخلي ونمت!

قررت أن حماساً مجروحاً ومعاقاً لا أتحمل مسؤولية بقاءه ، قبرته بعيداً عني

سأحضر تدريبهم الرتيب حيث لا يمكن لمعارفي أن تنتج ، سأغضب يومين أو ثلاثة ثم سأعتاد على وضعي الجديد

سأغدو مثل كل موظف آخر ، أعمل فقط لسد ساعات العمل المذكورة في العقد ، سأنسى ما تعلمت ، وسأنسى ما أردت

بعد سنةٍ من الآن ، سأباشر وظيفتي الحقيقية ، بالحد الأدنى من كل شيء!

هذا فقط ان باشرتها حقاً في المجال الذي درسته ، فحتى الان لا توجد خطة لانشاء قسم يحمل اسمه!

سأنسى أيضاً هذا السؤال الذي يصرخ بداخلي ، لماذا أرسلونا إذن ! ولماذا أرسلوا في طلبنا !

وأي دراسةٍ أجروا قبل زجنا في هذه المعمعة كلها

.. كان اجتماعا غبياً للغاية ،

عدت بعده للمنزل ، أغالط في عيني إصرارها على تحليل ما تلتقط من صور

أرى صمتاً جديداً فيه يشبه الصمت في الاجتماع ..

يشبه منزلي اي شيء خارجه ، أحيانا يشبه حتى اجتماع البارحة

في كل شخص منا جيب صغير في قلبه ،يحفظ قصاصات كلام لن يقال ، في قلوب إخوتي .. في قلب أمي

وحتى في قلبي أنا

ندعو أن ينتحر الجيب على نفسه بكل ما فيه ، أن يموت الكلام وأن يموت الخوف

وقد نكون محظوظين ،فيموت القلب أيضاً!

أونموت نحن .. المهم أن لا يفلت الكلام من قفصه ، فيصيب ما لاتحمد عقباه وإن صح معناه !

هكذا أفكر وعيني تتبع خطوط الضوء المتسللة من الستائر ، ترسم بها دائرة كبيرة تقسمها نصفين

وتحشو بها كل من تعرف .. كلٌ في الخانة التي تناسبه، هناك شخص قوي وهناك شخص صامت

وقبل أن يحين دوري تنتفض الدائرة وتتلاشى

صوت العصفور على الشجرة يوحي بأجنحةٍ وسفر .. ودوائر بلا خانات !

لكنني فقط أغض سمعي وأمضي

10:18

مسـ ـقط